محمد بزيع دولة من نريد؟ الأدبيّات الماركسيّة واضحةٌ في ما يخصّ الدّولة. الدّولة هي ديكتاتوريّة الطّبقة المسيطرة في كلّ مجتمعٍ،...
نحن، في فريق جريدة ١٧ تشرين، نعلن عن تعليق إصدار الجريدة بسبب حجز “مصرف فرنسَبنك” التّبرّعات الّتي جُمعت من الشّعب قبل شهرين من خلال حملة التبرّع الالكترونيّة على موقع زومال. وقد واجه رئيس تحرير الجريدة، بشير أبوزيد، تشبيح المصارف بعد أن رفضت مديرة فرع فرنسَبنك في الحمرا، رولا جارودي، تسليمه التبرعات نقداً، وطرحت عليه كافّة الوسائل الواهية، مثل إمكانية إعطائه شيك مصرفيّ ليُحصّل المبلغ من بنك آخر، أو عن حقّها القانونيّ بتسليمه المبلغ باللّيرة اللّبنانيّة بدل الدّولار قائلة ”بس تعيش بأميركا اطلب دولار“ – ”خود لبنانيّ وروح حوّل عند الصّرّاف للدّولار“، رغم أن المبلغ جُمع بالدولار فقط. كما أنّها اقترحت عليه سحب المبلغ عبر استعمال بطاقة الائتمان وكأنّهم لم يحظّروا علينا سحب أموالنا من ماكينات الصّرف الآليّ أيضًا. وأنهت اقتراحاتها وحلولها التضليلية بالتّهديدات عبر اتّخاذ قرار غير قانونيّ بحقّه: “حسابك بالبنك رح يتسكّر”.
بعد محاولات عدّة مع المصرف لتفادي هذا القرار، خصوصًا أنّنا مضطرّون للدّفع بالدّولار نقدًا بحسب أرخص مطبعة تمكنّا من الاتّفاق معها، أصبحت الجريدة كما المجتمع كلّه: رهينة الأوليغارشيّة الّتي صادرت أموالنا واحتجزت ما تبقّى منها بشكل غير قانونيّ.
جريدة ١٧ تشرين هي وليدة المرحلة الجديدة في تاريخ لبنان، ومصيرها من مصير هذا الصّراع الجديد الّذي فُرض على مجتمعنا بسبب استشراس واستهتار وطمع الأوليغارشيّة الحاكمة. عملنا على تأريخ الصّراع، وفتحنا المجال لمشاركة آراء وأفكار معارضة للنّظام – على اختلافها، ونشرنا بقلم مجتمع لم يعد يقبل الاستخفاف بعقوله. أمّا الآن، بعد نجاح النّظام الأوليغارشيّ بالتّطفّل على الجريدة وإجبارنا على تعليق إصدارها، أصبح مصير هذا الحبر وعمليّة التّأريخ الورقيّة هذه متعلّقان بمصير مجتمعنا.
لا بديل عن النّضال في صراعٍ فُرض علينا لنحيا. وإن أفرغوا أقلامنا من الحبر، سنملأ الأوراق من فحم الحرائق القادمة على عتبات مرافق النّصّابين.
هذه الدّولة لا بدّ لها أن تأخد درسًا من انتقاماتنا الآتية…
– فريق تحرير جريدة ١٧ تشرين
#فرنسبك_يحتجز_تبرعاتكم
جريدة ١٧ تشرين | العدد الرابع
صدر هذا العدد الإثنين ١٧ شباط ٢٠٢٠
هكذا أُسّس لنهب لبنان
إفتتاحية ١٧ تشرين – ربيع جميل
يؤرّخ وصول الرّئيس المرحوم رفيق الحريري لسدّة رئاسة الحكومة اللّبنانيّة في العام ١٩٩٢، لمرحلةٍ مفصليّةٍ من تاريخ لبنان المعاصر. وكما أصبح معلومًا، فقد أتى تكليفه ضمن سياقٍ عامٍّ هدف بشكلٍ خاصٍّ إلى تأمين رافعةٍ اقتصاديّةٍ لإعادة إعمار لبنان في مرحلة ما بعد الطّائف والتحضير لمؤتمر السلام في مدريد. في ذاك الوقت، كانت البلاد تغلي بعد سلسلةٍ من الاحتجاجات الشّعبيّة الّتي أسقطت حكومة الرّئيس الرّاحل عمر كرامي، في آيار ١٩٩٢، بعد أن لامس سعر الصّرف عتبة الثّلاثة آلاف ليرة للدّولار الأميركيّ الواحد. حمل رفيق الحريري مشروع إعادة الإعمار الّذي عرف بـ “هوريزون ٢٠٠٠” والّذي كان عبارةً عن مجموعةٍ من المشاريع الاستثماريّة الكبرى بهدف إعادة بناء البنية التّحتيّة للبلاد وبكلفةٍ تقديريّةٍ وصلت لحدود الـ١٤ مليار دولار في إطارٍ زمنيٍّ جرى تحديده بالفترة ما بين ١٩٩٣ و٢٠٠٢. في ذاك الوقت، عند تسلّم الرّئيس الحريري للدّفّة، كان الدّين العامّ محدودًا جدًّا (٣.٣٩ مليار دولار في العام ١٩٩٣). لكن، ومع الحاجة للاستدانة، تضخّم الدّين العامّ لحوالي الـ25 مليار دولار في العام ٢٠٠٠ وأتت هذه الزّيادة مدفوعةً بالاستدانة بفوائد مرتفعةٍ، حتّى وصلت خدمة الدّين العامّ سنة ١٩٩٤ إلى حوالي ٩٠% من إجمالي الضّرائب الّتي يدفعها اللّبنانيّون (من كلّ ١٠٠ ليرة تُدفع كضريبة، يذهب ٩٠ ليرة لخدمة الدّين)، واستمرّت النسبة بالارتفاع حتى تخطّت خدمة الدّين العام إجمالي واردات الدّولة في العام ١٩٩٧. هكذا يمكننا أن نفسّر كيف ساهم السياسيون في تضخيم أرباح المصارف وزيادة رأسمالها المجمّع من ١٢٣ مليون دولار في العام ١٩٩٠ إلى حوالي ثلاث مليارات و٦٠٠ مليون في العام ٢٠٠٣. فعلى سبيل المثال، تزامنت أزمة التّمديد لرئاسة المرحوم الياس الهراوي في ١٩٩٦ مع استدانة مصرف لبنان بفائدةٍ وصلت لحدود الـ ٤٠% ولمدّة سنةٍ واحدةٍ! بكلامٍ آخر، حقّق كلّ من اشترى السّندات اللّبنانيّة في تلك الفترة ٤٠ دولار صافيًا على كلّ ١٠٠ دولار استثمرها؛ ويبقى السّؤال الأبرز عن هويّة الجهات الّتي تنعّمت بهذا الرّبح الوفير ولأيّ سببٍ جرت هذه الاستدانة.
من اللّافت أنّه اليوم، وبعد أكثر من عقدين، ما زال ديوان المحاسبة عاجزاً عن التّدقيق الكلّيّ في حسابات الدّولة اللّبنانيّة بين ١٩٩٣ و١٩٩٧، وذلك لغياب قطوع حساباتٍ واضحةٍ، فالدّيوان لم يعط براءة ذمّةٍ عن تلك الفترة، وبالتّالي، وحتى اليوم، يوجد الكثير من الشّكوك حول التّمكّن من معرفة كيف أنفقت أموال اللّبنانيّين في تلك المرحلة الّتي أسّست للانهيار الماليّ والاقتصاديّ الّذي نشهده اليوم. إلّا أنّه من غير الصّحيح أن يجري اختصار هذا المشهد بشخص رفيق الحريري أو حتّى بتضخّم حجم الاستدانة وخدمة الدّين. فللرّواية وجهٌ آخر يأخذنا للعقليّة الّتي أعادت تشكيل الدّولة في الجمهوريّة الثّانية. هنا، نكتشف حكاية حكمٍ ناشئٍ أسّس لتحويل الدّولة من أداةٍ لحفظ الصّالح العامّ إلى أداةٍ لإنتاج وإعادة إنتاج القوى المهيمنة عبر علاقات القوّة الّتي تأسر النّاس وتستعبدهم.
هكذا، نجد أنّ التّوظيف في القطاع العامّ كان أبرز الأدوات لاستيعاب فائض العمالة اللّانظاميّة في الميليشيات المتحاربة والمؤسّسات المدنيّة التّابعة لها، وتحديدًا في فترة التّسعينات حين حكم لبنان من ترويكا (برّي – الحريري – الهرواي) وتحت الرّعاية المباشرة للنّظام السّوريّ. فارتفعت حصّة الرّواتب والأجور من ٢٩% من إجمالي النّفقات العامّة سنة ١٩٩٢ إلى حوالي 43% سنة ١٩٩٣. وقد شهد هذا العام التّضخّم الأكبر في حجم القطاع الحكوميّ وتحديدًا في المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة. في السياق عينه، يشير رينوود ليندرز (٢٠٠٤)، أحد أبرز الباحثين في الاقتصاد السّياسيّ للفساد في لبنان، لتركّز النفوذ والقوّة في قلّة حاكمة (يوزّعها بين رجال الأعمال، أمراء الحرب، ودائع النّظام السّوريّ والزّعماء) حيث حصلت ٤٩ شخصيّة على حوالي ١٧٧ منصب (ما بين وزراء ونوّاب وزراء) في الفترة ما بين ١٩٨٩ و٢٠٠٣. هنا نفهم كيف تحاصصت المنظومة الحاكمة الدولة وأسست لحماية مصالحها عبر توزيعٍ سلطويٍّ – طائفيٍّ للأجهزة الأمنيّة. وهذا ما يمكن ملاحظته اليوم عبر توزيعها المهام فيما بين هذه الأجهزة للانقضاض على المتظاهرين والثّائرين من جهةٍ، وحماية المصارف الشّريكة والمموّلة لعمليّة نهب لبنان من جهةٍ أخرى. وهكذا نفهم كيف جرى اغتنام الجمهوريّة، منذ التّسعينات وحتّى اليوم، رغم الكثير من التّعديلات في المكوّنات وتحديدًا مع دخول تيّاراتٍ وأحزابٍ جديدةٍ لنادي مغتنمي الدّولة بعد اغتيال رفيق الحريري في العام ٢٠٠٥.
في هذا السياق، تحوّلت المؤسّسات العامّة، كمجلس الإنماء والإعمار، ومجلس الجنوب، والمصرف المركزيّ وصندوق المهجّرين، وشركة كهرباء لبنان، ومصلحة اللّيطاني، وشرطة مجلس النوّاب وغيرها من المؤسّسات إلى محميّاتٍ سياسيّةٍ تشكّل الأذرع التّنفيذيّة لعمليّة اغتنام الدّولة وإعادة إنتاج القلّة المهيمنة. هكذا، علينا أن نفهم لماذا ضُرب الثّائرون والثّائرات إذا ما تظاهروا وتظاهرن أمام مؤسّسةٍ، وهكذا علينا أن نفهم مشهد مواكبة شبّيحة السلطة لقوى حفظ النظام بغية تأمين الثقة لحكومة استمرار النهب.
قالوا فساداً وهدراً، إنّها نهب موصوف لماضي وحاضر ومستقبل اللّبنانيين.
مقالات

هكذا أُسّس لنهب لبنان
إفتتاحية جريدة ١٧ تشرين – العدد الرابع ربيع جميل هكذا أُسّس لنهب لبنان يؤرّخ وصول الرّئيس المرحوم رفيق الحريري لسدّة...

أبيض مثل الثّلج
رامي راجح أبيض مثل الثّلج أحيانًا، نعود إلى الماضي البعيد ونستحضر بعض الرّوايات ونأخذ منها العبر. وبدورنا، نتعلّم ونتأكّد من...

النّظام الضّريبيّ في خدمة الأوليغارشيّة
تصوير هدى كرباج نمر نبيل عبدو النّظام الضّريبيّ في خدمة الأوليغارشيّة نجحت الأوليغارشيّة في لبنان بزرع أساطير عديدةٍ في عقول...

ربُّ التّصميمِ
تصوير هدى كرباج نمر ليلى السيد حسين ربُّ التّصميمِ “لعلّ أسوأ ما مرّ على العمارة، هو المعماريُّ نفسه” – فرانك...

يا غبي يا أنا
نصري الصّايغ يا غبي يا أنا قبل الانتفاضة، حصل ما يلي: دعيت لإلقاء مداخلةٍ في ندوةٍ. لم أكن أعرف الرّاعي...

من يتحدّث باسم الانتفاضة؟
تصوير نذير حلواني علي هاشم من يتحدّث باسم الانتفاضة؟ كان الصّوت الّذي هدر وسط بيروت، ليل السّابع عشر من تشرين...

الدّيمقراطيّة الّتي سمعنا عنها ولم نعشها يومًا
تصوير حسين بيضون جاد شحرور الدّيمقراطيّة الّتي سمعنا عنها ولم نعشها يومًا تبدّل المشهد الأمنيّ في لبنان حسب الأحقاب السّياسيّة،...

القضاء أمام استحقاقٍ
المحامية مايا الدغيدي القضاء أمام استحقاقٍ: واجب تطبيق القانون أم حماية النّفوذ الماليّ منذ ما قبل ثورة 17 تشرين 2019،...

السّلطة الرّابعة، وجدت كي تغيّر لا كي تتغيّر
زينة ناصر السّلطة الرّابعة، وجدت كي تغيّر لا كي تتغيّر أحاول أن أفنّد ما يظهر أنّه صحافةٌ تعكس واقعنا الحقيقيّ،...

أنا الشّعب، لا أعرف… شيئًا
تصوير نيكولا طوق جاد زوين أنا الشّعب، لا أعرف… شيئًا أعترف أنّ العنوان مستفزٌّ، لكنّه يرتكز على حقيقةٍ: الشعب لا...

عمر غندور “النّجمة نادٍ بحجم وطن”
قاسم نعمة عمر غندور “النّجمة نادٍ بحجم وطن” بينما كان من يفرّق الشّعب اللّبنانيّ في السّياسة من أجل مطامع مناطقيّةٍ...

يحقّ للثّورة ما لا يحقّ للشّعر
تصوير حسين بيضون د. محمّد ناصرالدّين يحقّ للثّورة ما لا يحقّ للشّعر الشّعر ثورةٌ أيضًا. لا أقصد بالشّعر تلك القصائد...

كرة السّلّة اللّبنانيّة: أزمةٌ عابرةٌ أم انهيارٌ تامٌّ؟
عيسى ياسين كرة السّلّة اللّبنانيّة: أزمةٌ عابرةٌ أم انهيارٌ تامٌّ؟ في مساء السّابع عشر من شهر تشرين الأوّل، كان الشّارع...

القصائد
هايكو الثّورة ربيع الأتات محكمة العناكب… لن تقتلع أجنحتها فراشة هي الثّورة… أهلها نحن نتكلّم لغة الأرض والسّماء تسمعنا في...