تصوير هادي بو عياش
هادي مجدلاني
تأمّلات طالبٍ ثانويٍّ بين الإنجازات والمصاعب في زمن الثّورة
إنّ الأحداث الّتي تلت ١٧ تشرين والّتي أتت نتيجةً للأزمة الاقتصاديّة المتفاقمة ولتراكمات احتجاجات الاعتراض السّياسيّ المتتابعة كحراك سنة ٢٠١٥، فتحت النّافذة أمام براعم وعي سياسيٍّ يخلق حالة جذبٍ مجدّدًا للطّلّاب نحو الأمور المعيشيّة أو الوطنيّة بعد غيابٍ تاريخيٍّ طويلٍ للحركات الطّلّابيّة.
كان لزامًا علينا، في هذه اللّحظة، الدّخول من هذه النّافذة الّتي لطالما نشدناها بهدف ربط الطّلّاب بـ “العمل السّياسيّ” للدّفاع عن حقوقهم والتّكيّف مع جوٍّ ديمقراطيٍّ مفقودٍ في ما بينهم، من خلال اللّقاءات والنّقاشات ودعوتهم لتحصيل مطالبهم كمجموعةٍ فعّالةٍ – وفعّالةٌ تحديدًا لأنّها مجموعةٌ.
كان، بنظري، أنّ انخراطنا كتلامذة صفٍّ ثانويٍّ في هذه الأجواء يهيّئ لنا وعيًا ثوريًّا يؤثّر في نضالنا حين ندخلُ الجامعات.
فجميعنا يعلم آليّة نشاط أحزاب السّلطة في الجامعات وماكيناتها وأدواتها لتوريط الطّلّاب معها – وخصوصًا الطّلّاب الّذين لا يملكون أيّة تجربةٍ ديمقراطيّةٍ في نقد أداء أيّ شخصٍ كان، أو الطّلّاب الّذين هم بحاجةٍ لمن يساهم في دفع أقساطهم الجامعيّة الباهظة – وذلك في ظلّ الإضعاف المقصود والمستمرّ لقدرة الجامعة اللّبنانيّة على احتواء طالبي العلم.
غير أنّ عوامل النّضال في الثّانويّات تختلف عن الجامعات؛ ففي الجامعات غالبًا، لجانٌ وأنديةٌ جاهزةٌ أو هيكلةٌ معيّنةٌ تسهّل التّواصل مع الطّلّاب، على عكس واقعنا كثّانويّاتٍ.
بدأت تجربتنا بالمشاركة في التّظاهرات الشّعبيّة، ثمّ في تنظيم المسيرات الطّلّابيّة أولّ الانتفاضة. تظاهراتٌ عفويّةٌ، في حرم المدرسة، سمحت لنا بالتّواصل والتّنسيق لأوّل مرّةٍ بين تلامذةٍ من مدارس وخلفيّاتٍ مختلفةٍ.
أصرّينا حينها على إظهار أهميّة مشهد الوحدة هذا في المسيرات، والّذي بدورهِ يمنحُ الطّلّاب معنويّاتٍ تشجّع على رفع مستوى التّعاون فيما بينهم.
غير أنّ العديد من العوامل الأخرى أدّت، في كثيرٍ من الأوقات، إلى خفض معنويّات هذه الفئة العمريّة: خوف الأهالي عليهم وإجبارهم بـ “عدم النّزول إلى الشّارع”، عمل أجهزة السّلطات الأمنيّة والإعلاميّة في بثّ الخوف وإشاعة التّهديدات الأمنيّة، إضافةً إلى الدّعاية المضادّة لهم وللثّورة واتّهامها بالتّمويل المشبوه.
حاولت المدارس كثيرًا الضّغط على التّلامذة للعودة إلى صفوف الدّارسة، في حين كان تلامذة الثّانويّ وطلّاب الجامعات يساهمون بشكلٍ واضحٍ ومؤثّرٍ في التّحرّكات الاحتجاجيّة، خاصّةً في الشّهر الأوّل من الانتفاضة.
قابلنا حينها إدارات المدارس باستعمال الإضراب أداةً للتّعبير والمواجهة، فكنّا نجتمعُ أمام المدارس صباحًا داعين التّلامذة للانضمام إلينا في مسيراتنا الطّلّابيّة الصّباحيّة الّتي تصبُّ يوميًّا في ساحة الاعتصام في المدينة، ممتنعين عن الدّخول إلى المدارس. وأكّدنا مرارًا حول أنّ امتناعنا عن الدّخول ليس للّهو، بل وسيلةٌ لإيصال رسالةٍ سياسيّةٍ تعبّر عن موقف التّلاميذ إلى جانب الانتفاضة.
مع تزايد الضّغط وخفوت وهج المرحلة الأولى من الانتفاضة،عُدنا إلى صفوف الدّراسة تحت عَمد المدارس، بالتّنسيق مع بعضها البعض، إلى إخضاع التّلاميذ للأمر الواقع وترويض نفسيّاتهم المتحمّسة للتّغيير والتّمرّد على كيفيّة تعاطي المؤسّسات التّعليميّة معهم، فمنعونا شيئًا فشيئًا من أيّة حركةٍ احتجاجيّةٍ أو مطلبيّةٍ أمام/داخل المدرسة تحت شعار “كلّ المناطق عادت الحياة فيها إلى طبيعتها ما عدا منطقتنا“. ثمّ، تطوّر الشّعار ليصير “كلّ مدارس منطقتنا فتحت أبوابها ما عدا مدرستنا“.
اكتشفنا سريعًا وحاولنا عبثًا التّصدّي لهُ، أنّ هذا الخطاب مخادعٌ لأنّه كان يُطرَح في أغلب المناطق!
هذا الأمر، بريئًا كان أم مقصودًا، عرقَل حركة الطّلّاب في الشّارع – لكنّه لم يوقفها – معرّضًا إيّاهم للضّغط النّفسيّ والقلق على مستقبل عامهم الدّراسيّ، خاصّةً بعد دعوة وزير التّربية إلى تكثيف الدّروس، فأخذ الكثير من التّلامذة يتردّد من المشاركة في النّشاطات بسبب انشغالهم الدّائم بالدّروس.
لم يكُن هذا نهاية النّضال بالنّسبة إلينا، بل كانت قد بدأت مرحلةٌ أخرى – أكثر صعوبةً – من التّأسيس للعمل الجّادّ في الثّانويّات والدّعوة لإنشاء اللّجان الطّلّابيّة، لأنّه كان لزامًا على تواصلنا كتلامذةٍ أن يتطوّر وأن يُترجَم إلى هيكليّةٍ معيّنةٍ توحّد جهودنا وتعزّز فعاليّتنا.
وضعنا لهذه اللّجان في المدارس تعريفًا يوضّح مهامها، ولكنّنا واجهنا صعوبةً في تشكيل هذه اللّجان بسبب معارضة إدارات المدارس؛ فكان عددها قليلًا نسبيًّا، أو أقيمت بشكلٍ سرّيٍّ حسب ظروف كلّ تجمّعٍ طلّابيٍّ في الثّانويّات.
إن نجح عملنا أو فشل في الوصول إلى الطّلّاب، فهو عملٌ نضاليٌّ مستمرٌّ، تتجدّد أشكالهُ وتتعدّد ما بين التّحريض على إقامة اللّجان والتّواصل معها وبين التّواصل مع الأفراد أو حتّى محاولة التّأثير على المعلّمين والمعلّمات والخطاب الّذي يحملونه/يحملْنَه في صفوف الدّراسة حول الثّورة.
باختصارٍ، إنّها محاولةٌ لزيادة الوعي بين صفوفنا، عبر طرح النّقاشات أو التّنسيق مع طلّاب الجامعات أو إصدار بياناتٍ تمثّل التّلاميذ (إسوةً بما فعلناه عندما توجّهنا إلى دائرة التّربية في طرابلس لتوجيه بيانٍ اعتراضيٍّ) أو بالمشاركة في مسيراتٍ… كلّ هذه التّحرّكات
(أوّل الأمر) تنشدُ بإعطاء الطّلّاب المعنويّات المطلوبة لهذه المرحلة وتجذير الحركة النّضاليّة والتّأكيد للطّلّاب بأنّ هنالك من يقف في صفّهم وإلى جانبهم. نعرف أنّ هذه ليست إلّا بداية طريقٍ، ولكنّ أهمّيّتها تكمن في أنّها أداةٌ ستنتقل إلى الأجيال القادمة لكي يعملوا بدورهم على تحسينها وتطوير عملها. أمّا نحن، فنكون قد اكتسبنا الخبرة للنّضال في الجامعات وفي كلّ ساحةٍ تستدعي النّضال.
[/cm
اللّجنة الطّلّابيّة في المدرسة
ماهيّة اللّجنة الطّلّابيّة
تتألّف اللّجنة الطّلّابيّة في المدرسة من عددٍ من الأعضاء، يناسب عدد الطّلّاب والطّالبات في كلّ مدرسةٍ.
يوكّل أحد الأعضاء بتمثيل المدرسة أمام المدارس الأخرى والتّنسيق معها، بهدف تأسيس اتّحادٍ طلّابيٍّ يجمع المدارس لتحسين مستوى التّعاون والتّضامن وتسهيل العمل.
مهام اللّجنة الطّلّابيّة
تجهيز الطّلّاب والطّالبات نفسيًّا للدّخول إلى الحياة الاجتماعيّة واتّخاذ القرارات والتّعبير عن الرّأي والنّقد عند دخولهم للجامعات.
التّنسيق مع لجان الأهل من أجل مصلحة الأهل والتّلامذة معًا.
التّنسيق مع الإدارة في كلّ قرارٍ يطال الطّالب؛ فالطّالب جزءٌ من الحياة التّعليميّة، لذا فهو معنيّ بأيّ قرارٍ.
الدّفاع عن أيّ ظلمٍ يلحق بأيّ تلميذٍ بالتّنسيق مع لجنة محامين إذا اقتضى الأمر.
الدّعوة إلى نشاطاتٍ طلّابيّةٍ (جلسات حوار، جلسات تثقيفيّة…).
الدّعوة إلى تحرّكاتٍ طلّابيّةٍ، ومنها المسيرات، بالتّنسيق مع باقي المدارس حين يستدعي الأمر بطريقةٍ منظّمةٍ (مع احترام موقف أيّ تلميذٍ يفضّل البقاء في المنزل كنوعٍ من العصيان العامّ).
الضّغط من أجل تأمين جوٍّ تعليميٍّ مريحٍ.
التّوعية الدّائمة حول مسار الثّورة.
أهداف اللّجنة الطّلّابيّة (أو اللّجان الطّلّابيّة) البعيدة المدى
تشكيل قوى طلّابيّةٍ وازنةٍ تمتدّ في كلّ لبنان (مدرسة تلو مدرسة)، للضّغط من أجل تغيير المناهج التّعليميّة وتحسين المستوى العلميّ وصيانة حقوق الطّلّاب والطّالبات الثّانويّين على المستوى الوطنيّ.